ابنك ليس أنت



ابنك ليس أنت


كنتَ ذات يوم طفلًا صغيرًا تريد مِن أبويك احترام قراراتك وأفعالك، بل كنت تريد أن تظفر بحق اتخاذ القرارات وحدك مهما كانت نتيجة اختيارك وتفعيلك لأي قرار.

كنت تغضب كثيرًا عند تجاهُلك وتجاهل أحلامك، وأمنياتك وطموحاتك، حتى البسيطة منها، فبعض الآباء يتحكمون في لون ملابس أبنائهم، وكيفية اختيارها أو ما يحب من بعض المأكولات.

رأيت ذات مرة أبًا يتحكم في أبنائه، لدرجة أنه يشعر لهم بالحرارة والبرودة؛ فإن كان فصل الصيف واشتدَّ الحر، يأمر أبناءه بتغيير بعض الملابس، فيقول له: قم وارتدِ ثيابًا خفيفة، فالجو حار، وإذا كان فصل الشتاء يأمر أبناءه بارتداء الكثر من الملابس، أيُعقل هذا أن يتحكم الآباء لدرجة الإحساس للأبناء بدرجة حرارة جسمه؟! والكثير من الأمثلة في مثل تلك الأشياء.

أليس هذا هو ما قد تكون عايَشته أنت في طفولتك؟ فلماذا الآن تفعله مع أبنائك وتُعيد رسم الدائرة نفسها مرة ثانية مع أبنائك؟
البعض يسعى لتخطيط حياة أبنائه كيفما يشاء متجاهلًا لهم، مقتحمًا لعالمهم الخاص دون طرق أبوابه، أو السؤال عما يريد بحجة أنه الأب ذو العقل السليم والرأي الراجح؛ فيبدأ في وضع أساسيات أحلام أبنائه، بل يسعى بشتى الطرق لتنفيذها، وينتظر أن يكون الأبناء ظلًّا للآباء؛

فالأب الطبيب يريد ابنه أن يكون طبيبًا مثله، والمهندس والمحامي، كل هؤلاء يحرصون على أن يسير الأبناء على نفس النهج الذي سار الآباء فيه، ولا يأبهون بما يريده الأبناء.

بل إن هناك نوعًا من الآباء يريد من أبنائه تحقيق ما فشِل فيه، يريد منه تحقيق أحلامه هو.

ولا يسعني إلا أن أقول: طفلك ليس أنت، ولكلٍّ منكم عالَمُه الخاص به، ولا يستطيع شخص تحقيق أحلام شخص آخرَ، فهو لديه أحلام وطموحات يريد تحقيقها أيضًا.

وقد يرضخ بعض الأبناء للآباء، فما أمامهم إلا أن يكونوا طائعين مرغمين لآبائهم، محققين لأحلام غيرهم، منتظرين الفرصة لجعل أبنائهم فيما بعد يسعون لتحقيق أحلامهم، وهكذا تظل الدائرة كما هي متواصلة جيلًا تلو الآخر.

قِفْ مع نفسك قليلًا، وأمسِك أصابع أبنائك، واخطُ بهم أُولى الخطوات في تغيير عادات لا فائدة منها، اجعَله يحقِّق أحلامه، وشارِكه الفرحة والنجاح يومًا بعد يوم، فأبناؤنا خُلقوا ولهم حقُّ الاختيار، فأطفالنا ليسوا نحن.


اكتب تعليق