أسباب إزدياد ظاهرة الطلاق في العراق

أسباب إزدياد ظاهرة الطلاق في العراق – عـلاء لازم العـيسى
(1 )
بين الزواج والطلاق بون شاسع واختلاف كبير ، فالزواج نعمة وبناء وسكن ، وصلة بين ذكر وأنثى أراد الله لهما أن يلتحما ويذوبا مودة ورحمة فيحققا أكثر درجات الاقتراب ، أمّا الطلاق فهو إعلان صريح عن فشل رجل وامرأة في تأكيد القيمة الجمالية الحقيقية للإنسان كنبع للحب والرحمة والوفاء ، ولهذا كان النص صريحاً ( إنّ أبغض الحلال عند الله الطلاق ) لما يخلفه الطلاق من آثار سيئة وسلبية على الفرد والمجتمع ، وهو وإن كان في قليل من الحالات  يعد خطوة ايجابية تحرر الأسرة من صعوبات مزمنة لا سبيل إلى علاجها إلا بالانفصال ، باعتبار إنّ آخر الدواء الكي ، إلّا إنه في معظم الحالات يؤدي إلى حالات سلبية على الآباء أنفسهم أو على الأبناء .
وبسبب تفشي هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع العراقي يجب على الباحث في هذا الموضوع أن يسأل : لماذا ازدادت نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة في مجتمعنا ، ومن هو الجاني ومن هو المجني عليه في هذه الزيادات التي خرجت عن الحد المعقول ، الزوج أم الزوجة ، أم الاثنين معاً ، وما تأثير بعض الأسباب الطارئة على ارتفاع نسبة الطلاق ؟ .
(2)
يمكن تصنيف أسباب الطلاق بحسب المراحل التي تظهر فيها إلى : أسباب سابقة للزواج ، وأسباب تأتي لاحقاً بعد أن يتم الدخول والانتقال إلى بيت الزوجية ، وأسباب طارئة على المجتمع العراقي ، فمن الأسباب التي تسبق الزواج سوء الاختيار الزواجي ، وعدم التكافؤ بين الزوجين في العمر ، أو المستوى الاجتماعي والثقافي ، أو التسرع في اتخاذ قرار الزواج ، خاصة لدى الفتاة المرتبطة بعلاقة حبّ مع شخص ما والتي تندفع عاطفياً بالزواج ممن أحبت ، أو الفتاة التي تقدم بها العمر فخافت أن يفوتها قطار الزواج ، أو الزوجة التي فرق الطلاق بينها وبين زوجها ، فعانت ما عانت من مرارة تجربتها الفاشلة في زواجها الأول ، وفي طلاقها ونتائجه السلبية من تكبيل لحركتها من قبل أولياء الأمور ، ووضعها دائماً في قفص الاتهام ، والحاجة والعوز المادي وعدم وجود من ينفق عليها ، فتلجأ للرضوخ لرغبة أول متقدم للزواج منها ، ولاستغلال أول فرصة سانحة لذلك  دون دراسة دقيقة وحقيقية ، وما أن تنتهي الأيام الأولى حتى تتكشف بعض الأمور التي يصبح الاستمرار بعدها ضرباً من المحال ، كما أنّ للزواج الارتجالي الذي يتم نتيجة للتعارف في السفر ، أو الارتباط بواسطة صفحات التواصل الاجتماعي ، أو لأية ظروف أخرى ، أثراً كبيراً في سرعة الطلاق .
(3)
أمّا أهم الأسباب التي تأتي لاحقاً ، بعد انتقال المرأة إلى بيت زوجها ، والتي تؤدي إلى وقوع الطلاق والانفصال بين الزوجين، فهي ما يمكن تصنيفها بحسب كونها أسبابا خاصة تتعلق بالزوج أو الزوجة ، أو أسبابا عامة وهي ترجع إلى المجتمع المحيط بالزوجين وما ينتابه من مواريث اجتماعية وثقافية خاطئة وفاسدة .
فمن الأسباب الخاصة ما يرجع إلى الزوج كعدم احترامه لزوجته ، والقسوة في معاملتها واستخدام العنف والشتم أمام أبنائها أو أمام الآخرين ، والتنكّر لكل القيم الأخلاقية والاجتماعية والعرفية في تعامله معها ، وعدم تقدير العلاقة الزوجية بتعلق رغبته بنساء غير زوجته ، وتعدّ ظاهرة ( الزواج من ثانية ) من الأسباب المهمّة لوقوع الطلاق ، لاقتناع الزوجة بأنّ الزواج من ثانية إهانة لها ، وانتقاصاً من كرامتها ، ولهذا فإنّ أكثرهنّ لو خيّرن بين علاقات الزوج غير الشرعية مع غيرهن ، أو زواجه بثانية، لاخترنّ الأولى .
ومن الأسباب الخاصة التي ترجع إلى الزوجة ، هو عدم تفهمها للأجواء الجديدة ، فقبل الزواج كان لكلّ من الزوجين الحق في أن يعيش بالطريقة التي يريد ، وأن يختار من أساليب الحياة ما يناسبه ، فلا يتقيد في يقظته أو منامه أو خروجه من البيت ، لكن بعد الدخول في عالم الزوجية عليها التأسيس لحالة من الانسجام والتوافق مع محيط الجماعة التي انتقلت إليها ، والابتعاد عن أسباب النفور والتوتر .
ومن الصراعات التي من الممكن أن تنشأ بسبب الزوجة هو محاولتها للنيل من دور الزوج ومكانته ، فقد تنافس المرأة الرجل في مجالاته الرجولية الذكرية ، ربما لا يكون ذلك عن عمد ولكن عن زيادة السمات الذكرية في شخصيتها ، أو ربما لأنها لم تقتنع بزوجها كرجل حقيقي ، وربما لأن إمكانات الرجل الجنسية محدودة مما أتاح للأنثى السوية التي أمامه أن تجتاز الحدود لتعتدي على ذكورته المنقوصة ، هذا النموذج الأنثوي المسيطر لا يمكن أن يتقـــبله جميع الرجال مما يؤدي نهاية المطاف إلى الانفصال .
أما أهم الأسباب العامة الشائعة في المجتمع والتي تؤثر سلباً في ديمومة العلاقة الزوجية ، فهو التدخل المفرط لأهل الزوج أو أهل الزوجة أو لأهل الزوجين معاً ، فبالرغم من أنّ وجود الآخرين المحيطين بالأسرة بحد ذاته يعد أمراً جيداً لهما ، ولكن تدخل الحماة أو الأخوة والأخوات والأقارب والأصدقاء أكثر من اللازم أو دون داع ، في أسلوب معيشة الأسرة ، ونمط تنشئة الأبناء، وعلاقتهم بالآخرين ممن هم خارج الدار ، يؤدي إلى زيادة النكد والضيق بين أفراد الأسرة ، وعدم إتاحة الفرصة للزوجين كي يشتركا في اتخاذ قرارات تتعلق بعلاقتهما معاً وباهتماماتهما ومصلحتهما دون ضغوط خارجية ، مع الالتفات إلى مسألة مهمة وهي أن بعض المتزوجين هم الذين يفتحون الباب على مصراعيه للآخرين ويسمحون لهم بالتدخل في حياتهما من خلال قيامهم بإفشاء أسرار حياتهما للأقارب والأصدقاء بمناسبة أو بغير مناسبة ، أو الانتقاص من قدر الشريك في كل محفل ومكان، ولذلك يجب الإنتباه والإقلاع عن هذه العادة السيئة.
(4)
وقد تكون المشكلات الصحية أو النفسية التي تصيب أحد الزوجين رغماً عنه ، كالعاهات المستديمة والإعاقة الكاملة أو الجزئية بسبب بعض الحوادث ، والأمراض المزمنة ، والاضطرابات العقلية والنفسية ، والتي يكون من الصعب علاجها ، ممّا يؤدي إلى سوء الأداء الوظيفي لأحد الزوجين وفشله اللاإرادي ، فلا يستطيع الطرف الآخر تحمله أو التأقلم معه ، فيكون سبباً قوياً من أسباب وقوع الطلاق ، وكذلك لمشكلة العقم ، وما يتبع ذلك من تأخر الحمل والإنجاب ، أو امتناعه مطلقاً ، وما يرافقه من ضغوط نفسية وردود فعل عصابية وشعور بالإحباط واليأس ، مدخلية كبرى في حدوث المشاكل والتوترات المسببة في وقوع الطلاق .
(5)
ومن الأسباب الطارئة على المجتمع العراقي والتي أثرت سلباً على وحدة نسيج الأسرة العراقية هو نشوب الصراع الطائفي الذي أعقب احتلال العراق سنة 2003م ، إذ واجهت أكثر الزيجات ( المختلطة مذهبياً ) صعوبات حقيقية ممّا أدى إلى وقوع مئات حالات الطلاق بسبب الاختلاف في المذهب ، مع إن الزوجين عاشا سنوات طويلة معاً دون أن يكون بينهما خلاف .
وكذلك الثراء الفاحش والمفاجئ للزوج ، قد يجلب معه بذور الخلافات والغيرة ، خاصة إذا فكّر الزوج في الاقتران بزوجة ثانية تليق بمكانته الجديدة ، كما أن انتعاش الزوجة اقتصادياً نتيجة لدخولها في معترك البيع والشراء والذي أصبح سهلاً جداً ، فهي لا تحتاج إلى أكثر من صفحة على النت لعرض مقتنياتها والإعلان عنها ، ومن خلال هذه الصفحة يتم التعامل وتبادل السلع ، مع إضافة خدمة التوصيل ، أو ممارسة بعض المهن كالحلاقة والتجميل مثلاً ، يشعر الزوجة بنوع من القوة والاستقلالية ربما لم تكن ملتفة إليها سابقاً ، فإذا حاول الزوج منعها من ممارسة نشاطاتها ، أو التضييق عليها ، وقعت الواقعة.
ولعب تسهيل أسباب التعارف بواسطة الشبكة العنكبوتية (الانترنت ) الذي أصبح وسيلة سهلة وسرية ورخيصة لخيانة الطرفين الزوج والزوجة ، دوراً كبيراً في التفكك الأسري ، وفي ارتفاع نسب الطلاق .
(6)أ
 خيراً، فإن جميع الرجال والنساء يجب أن يعلموا بأن الزواج لا يحقق سعادة حقيقية ، إذا لم يفهم الجميع بأن الحياة الزوجية هي حياة المشاركة والتفاعل المستمر ، وهي حياة الالتصاق والذوبان ، والتعبير عن الحب بالأفعال والكلمات ، فربما كان شريك حياتك محتاج لتأكيد عواطف الحب بالتصريح عن طريق الكلمات ، أما الدكتاتورية والتسلط ومحاولة الغاء الآخر فهي أنانية وسادية وقهر لمعنى الإرتباط ، ولذلك يضطرب الزواج ، ولا يحقق الحد الأدنى من الراحة والانسجام والاستقرار والأمان، وقد يقبل الطرف الآخر مكرهاً البقاء لظروف خاصة ، لكن استمراره سينطوي على عداوة مستترة وشعور بالظلم ، وانتظار الوقت المناسب للانتقام أو الانفصال.

اكتب تعليق